التعليم بالحب
اعداد الطالبة
نوال الاحمري
اشراف الدكتور عبدالمحسن السيف
في المدرسة فالطفل يحتاج إلى حب المعلم، وتوفير الحب
في المدرسة يجعل الطفل يأنس بمعلمه ويشعر بأنه قريب إليه، وعلى العكس إذالم يجد هذا
الحب فإنه ينفر من المعلم ولا يستفيد من تعليمه.
تساؤل
:
لماذا يكون الطفل قبل المدرسة أكثر حماسا واشتياقا لها، ثم ما عن يلج أسوار
المدرسة إلا تتبدى له شبحا بغيضا يكره ؟.
إن الغاية
من التعليم لا تتحقق إلا بالحب، وحين نقول ذلك، فإنا نعنيه بكل ما تعنيه هذا الكلمة
من مشاعر وأحاسيس وانفعالات تمثلها العبارات الجميلة الصادقة والسلوكيات الجميلة والتعامل
الراقي، فهي التي تصدر من قلب محب وتتجه إلى قلب محبوب،
فالعلاقة القائمة بين الطالب ومعلمه لا بدّ أن تغتني
بالحب، ولابدّ أن تقوم عليه لأن الطالب إذا أحبّ معلمَه أحبَّ مادته التي يدرسها وتحقق
بذلك الهدف من التعليم. إنّ المعلم المحبّ لطلابه الذي يغرس الحب في قلوبهم لن يخسر
شيئا بل على العكس من ذلك سيكون هو في قلوب طلابه وسيذكرونه بالخير أينما اتجه وأينما
سار، إننا بحاجة ماسة إلى إعادة الثقة بين الطالب والمعلم من خلال الحب، وتعميق العلاقات
الطيبة بينهم، وهذا مدعاة إلى إعادة النظر في أساليب التدريس المتبعة وطرقه، وألا تكون
العلاقة مربوطة بنجاح أو رسوب، ولا بإعطاء درجة أو عدمها، إن هذه الأشياء لا تحقق أهداف
التعليم، وإنما هي مجرد مقاييس توضع وتستخدم لتدفع الطالب لمزيد من العطاء والبذل والجهد
ولتصنع الفوارق بين الطلاب، ولكن الحب يصنع ما لا تصنعه الدرجات، ويبني ما لا تبنيه
الاختبارات.
إن الطلاب اليوم بحاجة إلى من يتقرب إليهم من جوانب عدة :
1- الجانب
الفكري :
فالتعامل مع الطالب بحسب القدرات العقلية التي تتشكل كل مرحلة من مراحل عمره
الدراسي، متفهما أنك ذلك ليس حطّاً من قدره بقدر ما هو نوع التفاعل مع الطبقة التي
يدرسها، فينزل إليهم فكرياً، ويتعامل بحسب ما يناسبهم من أفكار واهتمامات.
2- الجانب
النفسي
فيقدم لهم الحب والرحمة والعطف واللين حتى لو كانوا كبارا، والتنازل بالحديث
إليهم، متجاوزا مرحلة السلام عليهم بطريقة تلفت انتباههم وتشوقهم إليك. وأن تتكلم معهم
وتمازحهم فالطالب سواء أكان كبيرا أم صغيرا يحب من يتحاور معه، فهو يفهم لغة الحوار
ويستأنس بمن يؤنسه، وتقديم الرعاية بحيث يحس الطالب بأنّه مقرب إليك.
3- الجانب
السلوكي
إ تقبل الطالب لك مدعاة ليقتدي بكل سلوكيا وبخاصة تلك السلوكيات الهامة والآداب
العامة في كل زمان ومكان من تجلّي الصدق والأمانة والعدل وقول الحق...، يتساوق ذلك
مع التنبيه على السلوكيات الخاطئة وذلك بلغة مليئة بالحب بعيدًا عن الانفعال.
4- الجانب
الإبداعي:
ولا شك أن الحب طريق لاكتشاف المواهب عند الطالب وتنميتها مما يزرع في قلبه
محبتك ،فيبدع وينتج مؤمنا بأن العلم والمعرفة نتاجها الحقيقي الإبداع بكل فروعه.
وأخيرا
فإن الابتعاد عن الكلمات المحبطة المثبطة والكلمات النابية، وتعزيز ثقة الطالب بنفسه
بكلمات المدح والثناء عليهم وتقديم الهدايا المادية البسيطة مثل الحلوى، واللعب معهم
أثناء الفسح وبخاصة كرة القدم فهي من الألعاب المفضلة لدى الطلاب سيمنحك مزيدا من الحب
والعطاء بينك وبين طلابك وطالباتك.
التعليم
بالحب
استخدم
الرسول صلى الله عليه وسلم في تربية وتعليم أصحابه رضوان الله عليهم وأرضاهم أساليب
وطرق ومهارات متعددة ومتنوعة ، يأتي في مقدمتها أسلوب
"
التربية والتعليم بالحب " . فقد اعتمد صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب وهو يعلم
جيدا أنه من أرقى أساليب التواصل البشري وأسماها وأكثرها قبولا لدى جميع الناس على
اختلاف أعمارهم وأجناسهم وثقافاتهم ...
فصنع
من أصحابه رضوان الله عليهم خير أمم الأرض ، قال عز من قائل : "كُنْتُمْ خَيْرَ
أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ
" آل عمران / 110 . وجلعهم أفضل أجيال الأمة على الإطلاق ، فقد قال النبي صلى
الله عليه وسلم: " خيرُ الناسِ قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ...
"
وفيما يأتي نموذج من تربية الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم
لأصحابه وتعليمهم بالحب :
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ
إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ». فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: بِأَبِي
أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أُحِبُّكَ. فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذ؛ُ
لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ،
وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ " .
فقوله
رضوان الله عليه " أَخَذَ بِيَدِهِ " يعد بمثابة عقد محبة ، وبيعة مودة
. فمجرد اللمس يجعل الشعور بالود بين المعلم والمتعلم يعلو ، والإحساس بدفء العلاقة
بينهما يرتفع إلى أعلى المستويات .
وقد
كان عليه الصلاة والسلام يدرك ؛ إدراكا جازما ؛ ما للمسة الحب من أثر على المتعلم فكان
صلى الله عليه وسلم يلصق ركبتيه بركبتي محدثه ويضع يده على فخذيه أو منكبيه ،كما كان
عليه الصلاة والسلام يضرب بيد الشريفة على صدر من يخاطبه .
يبدو
إذا من هذا الموقف أن الحديث العاطفي واللمسة الحانية في مواطن ومواضع كثيرة يكون مفتاحا
سحريا للإقناع وتعديل السلوك .
نلاحظ
أن الرسول صلى الله عليه وسلم يصرح وبكل وضوح بحبه لمعاذ: " يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ
إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ" ما جعل الصحابي الجليل ؛ وبدون
تردد ؛ يبادله الشعور نفسه : " بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا
أُحِبُّكَ " .
هذا
الإحساس الراقي وهذا التواصل المنقطع النظير بين المعلم والمتعلم يجعل من العملية التعليمية
التعلمية عملية ممتعة تحقق أهدافها ، وتؤتي أكلها كل حين بإذن الله .
الأسلوب
نفسه اعتمده الرسول صلى الله عليه وسلم ( التربية والتعليم بالحب ) مع أبي ذر الغفاري
رضي الله تعالى عنه وأرضاه حينما نصحه باجتناب الولاية نظرا لما لمسه فيه من ضعف يحول
بينه وبين القيام بمهمته أحسن قيام . قال عليه الصلاة والسلام : " يا أبا ذر إني
أراك ضعيفًا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تَأَمَّرن على اثنين ولا تَوَليَنَّ على
يتيم " .
ما أصعب
أن يقول شخص لشخص آخر " إنك ضعيف " ، إنها كلمة تتضايق منها النفوس ، وتغضب
لسماعها . لكن الرسول صلى الله عليه وسلم افترش لها فراش المحبة وغطاها بغطاء المودة
فنزلت بردا وسلاما على قلب أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه وأرضاه .
أيها
المربون والمعلمون ! " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
" الأحزاب /21 .
وأخيراً
لقد
مضى زمن كان التعليم فيهِ بالشدّة والضربِ، وتحطيم شخصيّة الطفل، وإلغاء إرادته، وكبت
مواهبه وإبداعِه، وعدم الإصغاء له بكلمة .. وأصبح الناس يذكرون ذلك منتقدين متندّرين
..
ولكنّ
مسالك أكثر المعلّمين والآباء لم تختلف عن ذلك إلاّ قليلاً، ولم يأخذوا البديل المناسب
في طرائق التربية والتعليم وأساليبها .. ولا يقتصر اللوم على المعلّمين والآباء فهم
جزء من منظُومة المجتمع الثقافيّة والتربويّة، الذي تقوم علاقاته كلّها علَى هذا الأسلوب،
وتدور في فلكه ..
ومعَ
غيبة التصوّر الصحيح للتربية الإسلاميّة المنهجيّة المؤصّلة أخذَ الناس يتّبعون كلّ
صيحة في التربية تَأتي من هنا أو هناك، ويلتقطُون جزئيّات متناثرة، ربّما كانت صحيحة
بحجمها وحدّ ذاتها، ولكنّها ليست صحيحة إذا اتّخذت عامّةً شاملة، أو كانت منهجاً مستقلاًّ
بنفسه .. فسمعنا عن التربية بالترفيه .. والتربية الاستقلاليّة، التي يترك فيها للناشئ
الحبل على الغارب .. وتوقّع ما شئت في المستقبل القريب وما بعده .. ونبقى أحوج ما نكون
إلى نوع من التربية التي تلاحظ كينونة الإنسان الفطريّة، وطبيعته النفسيّة، وعلاقاته
الإنسانيّة .. وليس شيء كذلك إلاّ التربية بالحبّ .! ودون إغفال لمطالب الجوانب الأخرى
من كينونته ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق